معامل جيني: تعرف على العدالة الاجتماعية في العالم العربي
في حديثي معه عقب رفع الحكومة المصرية دعم المحروقات بنسب تصل إلى 45%، صباح يوم الخميس 29 يونيو/ حزيران الماضي، علق أحد أفراد الطبقة العليا في مصر، وأقصد بالتحديد طبقة كبار رجال الأعمال، قائلاً «حتى لو وصل سعر اللتر لـ 20 جنيه، مش فارق معانا كتير، هنشتريه عادي بدون مشاكل»، في لفتة منه إلى ملاءته المالية، وقدرته على التمايل بمرونة مع مثل تلك الأزمات لتفادي آثارها السلبية.
تفاوت الطبقات في المجتمعات العربية
إلا أن الحال ليس كذلك بالنسبة لجموع الشعب المصري الذي يترنح تحت وطأة انخفاض قوته الشرائية إثر ارتفاع الأسعار وتخفيض الدعم مرة تلو الأخرى، ففي تقريره الصادر عام 2014 أشار كريدي سويس إلى أن أغنى 10% من المصريين يسيطرون على أكثر من 70% من ثروة البلاد، كذلك فقد أوضح التقرير أن 1% من المصريين يسيطرون على 48.5% من ثروات البلاد، وقد جاء سبعة مصريين ضمن أغنى أغنياء العالم وفقًا لتقرير مجلة فوربس، بإجمالي ثروة 18.1 مليار دولار، في الوقت الذي تتجاوز فيه معدلات الفقر الـ 40% وفقًا لتقديرات غير رسمية.
وهو ما يشير إلى حالة من التفاوت الصارخ داخل طبقات المجتمع المصري والعربي على حد سواء، نظرًا لتشابه الظروف التي تمر بها منطقتنا العربية مؤخرًا، خاصة في بلاد كمصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب واليمن.
من هنا كان لزامًا أن تحتل قضية العدالة الاقتصادية والاجتماعية مكانة بارزة في الفكر الاقتصادي والسياسي والاجتماعي العربي، خاصة عقب انطلاق شرارة الربيع العربي تحت شعارات العيش والحرية والعدالة الاجتماعية؛ إذ إن التفاوت في توزيع الدخل والثروة يؤدي إلى انقسام المجتمع داخليًا إلى فئات معدمة لا تملك أي شيء وفئات أخرى مترفة تتحكم في اقتصاد البلاد وقوت العباد، وهو ما ينذر بحالة من السخط الاجتماعي قد لا يحمد عقباها.
وكما هو الحال بالنسبة لأي مشكلة، يتطلب علاج عدم العدالة الاجتماعية والاقتصادية توافر معلومات دقيقة عن مدى عمق التفاوت بين طبقات المجتمع ومن ثمّ التحديد الدقيق للفئات المتضررة وكيفية استهدافها.
معامل جيني هو أحد أشهر المؤشرات المستخدمة في قياس التفاوت في توزيع الدخل وأكثرها انتشارًا؛ نظرًا لوضوح فكرته وبساطة حسابه. في هذا التقرير نعرض لهذا المؤشر في ضوء ما يتوافر من بيانات عن دولنا العربية، موضحين أهم مزاياه وأبرز عيوبه.
شرح المؤشر
في البداية وقبل الحديث عن معامل جيني في الدول العربية، نود التأكيد على أن قضية العدالة الاجتماعية لا يمكن تناولها من زاوية توزيع الدخل فقط، بل إن للعدالة الاجتماعية أبعادًا أخرى سياسية واقتصادية ومؤسسية، إلا أننا آثرنا التركيز في ذلك التقرير على عدالة توزيع الدخل فقط كأحد مؤشرات قياس العدالة الاجتماعية في دولنا العربية.
يقيس معامل جيني عدالة توزيع الدخل، يعتمد المعامل في حسابه على الشكل التالي:
يمثل المحور الأفقي التوزيع التراكمي للسكان في الدولة، في حين يمثل المحور الرأسي التوزيع التراكمي للدخل، الخط الخط المستقيم AB يمثل خط العدالة المطلقة أو خط 45 درجة، ومعنى العدالة المطلقة أن كل نقطة على الخط AB تتساوى عندها النسبة المقابلة على المحور الأفقي مع النسبة المقابلة على المحور الرأسي.
أي أن 20% من السكان يحصلون على 20% من الدخل، و40% من السكان يحصلون على 40% من الدخل، و80% من السكان يحصلون على 80% من الدخل، وبالتأكيد فإن كل السكان يحصلون على كل الدخل (100%).
هذه الحالة النظرية أبعد ما تكون عن الممارسات الواقعية التي تميل إلى الابتعاد قليلاً أو كثيرًا عن خط العدالة المطلقة، ومن ثم فإننا كلما ابتعدنا عن الخط AB كلما زادت درجة عدم العدالة في توزيع الدخل إلى أن نصل إلى عدم العدالة المطلقة، وهي الحالة التي يحصل فيها شخص واحط فقط على كل الدخل في الدولة، هذه الحالة يمكن التعبير عنها بالنقطة D ويكون شكل المنحني هو ADB؛ أي أنه ينطبق على ضلعي الزاوية القائمة D. الشكل التالي يبسط الفكرة ويوضحها، فالخط الأسود هو خط العدالة المطلقة، وكلما انحني الخط واتجه يمينًا كلما زاد عدم العدالة، إلى أن نصل إلى الخط الأحمر الذي يعبر عن انعدام شبه مطلق للعدالة. هذه المنحنيات تسمى منحنيات لورنز Lorenz Curves.
إلا أن استخدام منحنيات لورنز كمقياس لعدم عدالة توزيع الدخل ليس منضبطًا بالقدر الكافي؛ نظرًا لأن مقدار بعد المنحنى عن خط العدالة المطلقة يخضع للتقدير الشخصي للباحث، من هنا ظهرت الحاجة إلى مؤشر رقمي أكثر انضباطًا وهو معامل جيني.
حساب معامل جيني
يتم حساب معامل جيني من خلال قسمة المساحة المحصورة بين منحنى لورنز وخط العدالة المطلقة (A) على المساحة الكلية للمثلث (BCD)، كما هو موضح في الشكل التالي.
تكون قيمة المعامل مساوية للصفر فى حال انطباق منحنى لورنز على خط العدالة المطلقة، وتكون قيمته مساوية للواحد الصحيح في حالة عدم العدالة المطلقة؛ أي أن قيمة المعامل تنحصر بين الصفر والواحد، وكلما اقتربت القيمة من الصفر زادت عدالة توزيع الدخل، وكلما اقتربت من الواحد انخفضت عدالة التوزيع.
معامل جيني في الدول العربية
مسعود أحمد، مدير إدارة الشرق الأوسط في صندوق النقد
اتبعت دول المنطقة وعلى رأسها تونس ومصر سياسات صندوق النقد الدولي منذ ثمانينات القرن الماضي، هذه السياسات وإن أدت إلى تحسين المؤشرات الاقتصادية الكلية بشكل مؤقت إلا أنها أسفرت عن توزيع غير عادل للدخل والثروة، كون هذه السياسات لم تراعِ خصوصية الطبيعية القانونية والمؤسسية داخل الدول العربية، مما أدى إلى تفشي نيران الغضب الثوري في منطقتنا العربية منذ 2011؛ اعتراضًا على الفساد، وتقييد الحريات، وغياب الأطر القانونية، وانعدام العدالة الاجتماعية.
الجدول التالي يوضح متوسط قيمة معامل جيني لبعض الدول العربية خلال الفترة 2003-2012.
وبالنظر إلى الأرقام بالجدول أعلاه نجد أن مصر والعراق قد حققتا معدلات منخفضة جدًا من عدم المساواة، في حين ارتفعت درجة عدم المساواة في قطر ودول المغرب العربي.
إلا أنه يمكننا القول إن درجة عدم العدالة تعتبر منخفضة بالنسبة للمنطقة ككل، إذ يقدر معامل جيني للمنطقة العربية بـ 34.7 في المتوسط خلال العقد الأول من القرن الحالي.
هذه النسب تثير الشكوك حول مدى دقة معامل جيني كمقياس لدرجة عدالة توزيع الدخل، وكذلك مدى اتساق نتائجه مع الواقع، وذلك نظرًا لأن المعامل يتم حسابه كقيمة متوسطة ولا يأخذ في اعتباره نمط تركز الدخل في إحدى طبقات المجتمع دون الأخرى، كذلك فإن الدول العربية تعاني عجزًا إحصائيًا فيما يتلعق بجمع بيانات الدخل والإنفاق في المجتمع وهو ما يحول دون حساب المؤشر بدقة.
ولتفادي ذلك العيب جزئيًا نقوم بحساب Quintile Ratio، وهي عبارة عن النسبة بين الدخل الذي يحصل عليه أغنى 20% وذلك الذي يحصل عليه أفقر 20% في المجتمع؛ أي أننا نقارن بين ما يحصل عليه أغنى أغنياء المجتمع وأفقر فقرائه، وكلما ارتفع خارج القسمة دل ذلك على مستويات أقل من عدالة توزيع الدخل.
وبحساب تلك النسبة للبيانات السابقة نجد أن النتائج أكثر اتساقًا مع واقعنا الاقتصادي والاجتماعي العربي خلال الفترة 2003- 2012، فبالنظر إلى الرسم التالي نجد أن أغنى 20% من المجتمع القطري يحصلون على 13 ضعف الدخل الذي يحصل عليه أفقر 20% من السكان، هذه النسبة تساوي 5 في دول كمصر والعراق، وترتفع قليلاً لتكون 7 فى دول المغرب العربي. أما المتوسط العام للمنطقة فهو يقترب من الـ 9؛ أي أن دخل أغنى 20% من سكان المنطقة يبلغ 9 أضعاف الدخل الذي يحصل عليه أفقر 20% من سكانها.
أخيرًا، نود التأكيد على أن قضية العدالة الاجتماعية لا يمكن تناولها من منظور توزيع الدخل والثروة فحسب، فالعدالة تقتضي أيضًا وجود مؤسسات سياسية تدعم الحرية والديمقراطية، وإطار قانوني صارم يحول دون ممارسة الفساد.
فالتحدي الرئيسي الذي يواجه الدول العربية منذ انفجار ثورات الربيع العربي هو كيفية تحقيق العدالة الاجتماعية في إطار من الحرية والديمقراطية، ففي فترة الخمسينيات والسيتينات من القرن الماضي قايضت الشعوب العربية الحرية السياسية بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية، ومنذ السبعينيات عانت الدول العربية من ثنائية انعدام العدالة الاقتصادية والاجتماعية وغياب الحرية والديمقراطية على حد سواء، مما أدى إلى انفجار الشعوب العربية في أواخر 2010، فهل يكون للعدالة الاجتماعية مستقبل أفضل بعد ثورات الربيع العربي في السنوات القادمة، أم سيبقى الوضع على ما هو عليه؟.
ليست هناك تعليقات